إذا قيل لك إن المغاربة يحكمون إسرائيل، فلا تستغرب، وإذا قيل لك إن المغاربة سيشكلون يوما نصف سكان إسرائيل، فلا تستغرب أيضا إليك هذه الحقائق عن مغاربة إسرائيل ويهود المغرب.
تاريخيا، تعتبر المغرب واحدا من الملاذات الآمنة لليهود ويعود تواجدهم في المغرب ل2000 عام تقريبا، حيث هرب كثير منهم من بطش الدولة الرومانية الوثنية، لكن وجودهم بكثافة كان بعد هروبهم الكبير من إسبانيا عقب توحيدها وإقامة محاكم التفتيش لمطاردة المسلمين واليهود وإجبارهم على اعتناق المسيحية. وذلك قبل 500 عام. فكان اللجوء الثاني والأكبر لليهود للمغرب أما اللجوء الثالث فكان إبان أحداث الحرب العالمية الثانية ووقوع فرنسا تحت الاحتلال النازي حيث هرب كثير من الفرنسيين اليهود للمغرب. وفي تلك الفترة كان المغرب مستعمرة فرنسية وحين لجأت الحكومة الفرنسية التي شكلها هتلر ملاحقة اليهود في المغرب وقف الملك محمد الخامس للدفاع عنهم. وهذا ما دفع كثيرا من اليهود حتى للصلاة للملك محمد الخامس. الذين ما زالوا يتذكرونه حتى الآن، ولغاية خمسينيات القرن الماضي، بات اليهود يشكلون قرابة 20% من سكان المغرب،
لكن هذه النسبة ستتراجع وربما تختفي في السنوات اللاحقة. فبعد قيام الكيان الإسرائيلي على أراضي فلسطين المحتلة بدأت الآلة الصهيونية بالترويج والدعاية لحث اليهود في العالم على الهجرة لفلسطين ومن بين أكثر بلاد العالم التي يتواجد بها اليهود، كانت المغرب فقامت الدعاية الصهيونية بالترويج أن اليهود في البلاد العربية يعيشون خطر الإبادة، وأن حياتهم ومستقبلهم مهدد في المجتمعات العربية والإسلامية، وعلى وقع الدعاية الصهيونية ترك عديد المغاربة اليهود بلادهم وهاجروا لإسرائيل، وكثير منهم ما زال يدين بالولاء للمغرب حتى الآن ودائم التردد على زيارتها حتى أن أبنائهم الذين تربوا في إسرائيل يتربون على حب المغرب واحترامه.
لكن على صعيد آخر بات اليهود المغاربة في إسرائيل قوة لا يستهان بها. فحتى الآن وصل عدد اليهود من أصل مغربي داخل إسرائيل قرابة المليون . بمعنى أن من بين كل ستة إسرائيليين هناك شخص واحد تعود أصوله للمغرب، كما أن عدد لا بأس به من هؤلاء ما زال من مزدوجي الجنسية أي أنهم يحملوا الجنسية الإسرائيلية ويحتفظوا بجنسيته المغربية وبالرغم من انخراط العديد في المجتمع الاسرائيلي، إلا أنهم نقلوا للكيان الإسرائيلي جزءا كبيرا من عاداتهم وتقاليدهم المغربية إلى هناك لكن انخراطهم داخل إسرائيل وصل حدا دفع كثيرين لرؤية المكانة التي احتلوها فكثير من المناصب الحساسة في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تولاها يهود أصولهم مغربية.
ومن أشهر هؤلاء عمير بيرتز عضو الكنيست لدورات عديدة، ورئيس حزب العمال والذي سبق له أن تولى منصب وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء ، وشخص آخر كان صاحب نفوذ داخل دوائر الحكم الإسرائيلي هو ديريه إيريه السكرتير العام لحركة شاس اليمينية المتطرفة، والذي سبق أن تولى وزارة الداخلية والأمن. لأكثر من مرة في ثمانينيات القرن الماضي، وأيضا الحاخام الشهير شلومو عمار المقرب من حركة شاس المتطرف. وشلومو بن عامير الذي سبق أن تولى وزارة الخارجية ووزارة الأمن الداخلي، أما النقلة الكبرى لنفوذ المغاربة اليهود داخل إسرائيل، فقد تجلت في الحكومة الأخيرة التي وصل الحضور المغربي فيها أن أصبح ثلث أعضائها يعودون لأصول مغربية.
وأبرز هؤلاء الوزراء هم وزير الداخلية أريه مخلوف دراعي، وزير الأمن الداخلي وأمير أوحانة وزير الاتصال بين الحكومة والكنيست و ديفيد أمثاله وزيرة المواصلات والبنى التحتية و ميري رغيف وزيرة تعزيز المجتمع وأورلي ليفي أبي قسيس وزيرة المساواة الاجتماعية، وميراف كوهين وزير الشؤون المدنية، ميخائيل بيتون، وزير شؤون القدس والتراث، رفائيل بيريتس وهذه الأسماء جعلت الحكومة الحالية الحكومة الأكثر تمثيلا ليهود المغرب. الأمر الذي دل على حضور المغاربة القوي داخل إسرائيل.
ففي حين تراجع الحضور اليهودي في المغرب، التي تبقى فيها فقط بضعة آلاف منهم، ها هم الآن باتوا مشكلا أساسيا للمجتمع الإسرائيلي وممسكين بمفاصل الدولة الحساسة، وبحكم العادات المغربية والعربية التي اكتسبها اليهود فهم يعدون من أكثر التجمعات داخل إسرائيل إنجابا للأبناء، ما يعني أن نسبته مرشحة للزيادة. وكذلك حضورهم وقوتهم ما دفع للسؤال دائما عن ولاء هؤلاء لفكرة إسرائيل فبالرغم من أن الواقع يقول أن ولائهم قائم لإسرائيل، إلا أن الواقع أيضا يتحدث عن ولاء مزدوج لبلدهم والأم المغرب التي ما زال بعضهم يحلم بالعودة إليها جدا في المغرب وهو أمر شجع على تطبيع العلاقات مؤخرا بين المغرب وإسرائيل. فالاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي والذي لم يشكل صدمة للبعض بحكم أن العلاقات متداخلة منذ زمن طويل بسبب الأعداد الكبيرة للجالية المغربية في إسرائيل. لكن دون إنكار أن جزءا كبيرا من شعب المغرب ما زال يرى بفلسطين القضية الأم، وحتى العائلة الحاكمة المغربية ما زالت تقر بالمسؤولية التاريخية والدينية لها على القدس والمسجد الأقصى، وهو ما أكده العاهل المغربي برسالته للرئيس الفلسطيني.