أكثر من 20,000 مغربي أصيب به، أصاب المسلمين دون اليهود، هو ليس بفايروس ولا ينتقل بالعدوى، وإنما هي لقمة مغمسة بالسم، لا تقتل، وإنما تشل الجسد وتقعده، كما أنه ليس كالسلاح النووي الذي يهدد به كينج جونج أون العالم كل يوم، وإنما ناتج عن طمع التجار وجشعهم،
لعلك سمعت بكارثة تشيرنوبل الشهيرة في أوكرانيا، ولكنك غالبا لم تسمع بشيرنوبل المغرب، فكلاهما حدثتا خلال فترة الحرب الباردة بين ببن روسيا وأمريكا، وكلاهما كانت أمريكا طرفا فيه عندما عندما حدثت، فما علاقة القاعدة الأمريكية في المغرب آنذاك بأكبر كارثة إنسانية عرفها المغرب والعالم؟ إليك قصة مجزرة الزيوت المسمومة. اليوم الذي اعتقد فيه العلماء أن نهاية العالم أصبحت أقرب من أي وقت مضى.
القاعدة الأمريكية
خلال الحرب العالمية الثانية، وتحديدا في عام 1942، بدا للجميع أن ألمانيا بقيادة أدولف هتلر ستفوز بالحرب وتقود العالم لسنوات طوال، لذا قررت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل لمساندة الحلفاء. هذا التدخل كان هدفه إيقاف المد النازي من خلال السيطرة على المناطق الإستراتيجية، وبالنظر إلى الموقع الإستراتيجي الذي يتمتع به المغرب قامت أمريكا بإنزال عسكري وبناء قواعد جوية أساسية في عدة مواقع مغربية وحين وضعت الحرب أوزارها وتمكن الحلفاء من دحر ألمانيا والانتصار عليها استمرت القوات الأمريكية في المغرب وفي يوليوز سنة 1959 وقع المغرب مع الولايات المتحدة اتفاقية تقضي بمغادرة القوات الأمريكية قواعدها إلى هنا ! يبدو كل شيء طبيعي وعادي. ولكن غير العادي هو ما حدث خلال مغادرة. الأمريكية.
زيوت تي سي بي.
مع قرار مغادرة القوات الأمريكية، بدأوا بالتخلص من المعدات والأشياء التي لا تلزمهم. وكان من ضمن هذه الأشياء كمية كبيرة من الزيوت معبأة في براميل تستخدم للطائرات تحتوي هذه الزيوت على مادة كيميائية عديمة اللون والرائحة تسمى ثلاثي أورتكورز الفوسفات واختصارها TCB شحنت هذه البراميل من القواعد العسكرية بكل من سيدي سليمان وسيدي يحيى والقنيطرة إلى مدينة مكناس. ليستولي عليها أصحاب معمل الزيوت في مكناس، الذين قاموا بمزج هذه المادة السامة بزيت الطبخ المعروف باسم زيت اللاروي. مزجت مادة تي سي بي بنسبة 67% مقابل 33% من الزيوت النباتية، وبدأوا بتوزيع هذه الزيوت في أماكن متفرقة من المغرب، وبيعت بأثمان بخسة فانهال الناس على شرائها معتقدين أنها هبة من الحكومة مراعاة لأوضاعهم المعيشية الصعبة، أشارت بعض المقالات في ذلك الوقت أن كمية الزيوت التي ضبطت كانت كافية لتسميم المغرب بأكمله، كما أن هذه المادة حظرت في وقت سابق في أستراليا لأن التعرض للدخان الناتج عنها فقط كاف للإصابة بأمراض مزمنة، فما بالك لو تم شربها؟
بدأت الأعراض بالظهور على الناس ليصابوا بشلل على مستوى الأطراف السفلى. في البداية تعثر باقي الباحثين الأوروبيين والعرب معرفة مصدر التسمم كانوا في البداية يعتقدون أنه فايروس سيغزو العالم، لكن ما مكنهم من تتبع المصدر هو إصابة الحرفيين المغاربة أصحاب الدخل المحدود دون غيرهم. ومما أثار الشك في نفوس العلماء هو عدم إصابة اليهود بالتسمم بالرغم من عددهم الكبير والبالغ 100,000 نسمة. ليكتشفوا لاحقا أن السبب وراء ذلك هو اختلاف ثقافتهم بالأكل كما أن الأوروبي الوحيد الذي أصيب بالشلل هو من الذين تبنوا ثقافة الأكل العربي، ليتوصلوا أخيرا إلى مصدر التسمم بعد إجراء فحوصات عديدة على غذاء المصابين، ولاقوا صعوبة بالغة في إقناع الناس للتخلص من الزيوت المسمومة آنذاك بسبب انتشار الفقر والجهل.
وكانت الحصيلة النهائية للمتضررين تسمم أكثر من 20,000 مغربي وموت العشرات تحول فيما بعد إسم لاروي إلى رعب في كل ثانيه. ترددوا فيها على مسامع المصابين على مدى سنوات. على إثر هذه الحادثة تم إقالة الحكومة المتشكلة حديثا بعد استقلال المغرب بقرار من الملك محمد الخامس. ثم تم القبض لاحقا على التجار المتسببين بهذه الكارثة. لكن سرعان ما أفرج عنهم بذات العام بظروف غامضة مما زاد من المأساة لدى المتضررين والذين ما زالوا حتى هذه اللحظة يطالبون بحقوقهم.