خرج آلاف الشباب نهاية الأسبوع الماضي إلى شوارع المدن المغربية رافعين صوتهم ضد الغلاء والبطالة وضياع الحق في الصحة والتعليم تحت وسم "جيل Z". وقد حول المحتجون الساحات من الرباط إلى طنجة والدار البيضاء وتطوان وأكادير إلى مسارح مطاردة واعتقالات في مشاهد كشفت حجم القلق الاجتماعي وبيّنت هشاشة الخطاب الذي تتبناه حكومة أخنوش.
ولم تكن شوارع المغرب كسابق عهدها، إذ شهدت مدن عديدة موجة احتجاجية واسعة حملت توقيع جيل من الشباب الذين اختاروا أن يرفعوا صوتهم تحت وسم "جيل Z" على منصات التواصل الاجتماعي، قبل أن يتحول الفضاء الافتراضي إلى واقع حي تجسد في مسيرات ومظاهرات غصّت بها الساحات العمومية.
ولم تقتصر المطالب على شعارات عابرة، بل انصبت حول قضايا جوهرية تمس صميم الحياة اليومية للمواطنين من قبيل الحق في الصحة والتعليم والشغل، ومحاربة الفساد والغلاء. وبينما كان المحتجون يرفعون أصواتهم في الساحات، واجهتهم السلطات بإنزال أمني كثيف وتدخلات عنيفة واعتقالات طالت العشرات، ما جعل المشهد العام يبدو أشبه بمطاردة جماعية بين شباب يبحث عن فضاء للتعبير الحر وقوات أمن تسعى إلى فرض منطق الضبط والسيطرة.
وفي قلب هذه التطورات خرج سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق عن صمته، ليعتبر أن ما جرى في شوارع مدن المغرب هو "مؤشر صارخ على ضرورة تغيير الحكومة لمسار عملها ولخطابها التواصلي"، محذرا من أن الوضع الاجتماعي بلغ درجات خطيرة.
العثماني استند في تقييمه إلى معطيات رسمية كان والي بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط قد أطلقا بشأنها إنذارات واضحة، بعدما بلغت البطالة مستويات لم تشهدها البلاد منذ ربع قرن أي منذ مطلع الألفية وأضاف أن القدرة الشرائية للمواطنين باتت تتآكل بفعل الغلاء، وأنه لا يزال ممكنا تدارك الأمور، شريطة اعتماد الصراحة والجرأة في التواصل مع الشعب، واتخاذ قرارات فعّالة قبل أن تنفلت الأوضاع أكثر.
الرباط، عاصمة المملكة تحولت إلى بؤرة الاحتجاج الأكثر اشتعالا، حيث امتلأ شارع محمد الخامس وقبالة البرلمان وساحة باب الحد بالمتظاهرين الذين رددوا شعارات غاضبة، لكن الإنزال الأمني الضخم أغلق المنافذ الرئيسية وأدخل المدينة في حالة استنفار، و المشهد سرعان ما انقلب إلى مواجهات كر وفر بين الشباب وقوات الأمن التي اعتقلت العشرات، في وقت تابع سكان العاصمة المشهد بذهول من نوافذ المقاهي والمنازل.
ولم يختلف الوضع كثيرا في الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية، التي عاشت على وقع مسيرتين متتاليتين الأولى صباحية شاركت فيها البرلمانية نبيلة منيب عن الحزب الاشتراكي الموحد، إلى جانب زميلتها فاطمة التامني من فيدرالية اليسار، قبل أن تتدخل قوات الأمن لفضها، والثانية مسائية انطلقت بساحة السراغنة بدرب السلطان وواجهت نفس المصير واعتقالات بالجملة ومطاردات في الشوارع الجانبية، مع تسجيل إصابات طفيفة في صفوف المحتجين.
مدينة تطوان من جهتها لم تفلت من الغضب، فقد تحولت ساحة مولاي المهدي المعروفة محليا بـ"الخاصة" إلى نقطة انطلاق لمسيرة جابت شوارع المدينة الكبرى، رُفعت خلالها شعارات تطالب بإصلاح الصحة والتعليم ومحاربة الاستبداد والتدخل الأمني كان سريعا، ما أسفر عن توقيف العديد من المشاركين في أجواء مشحونة اتسمت بالكر والفر.
أما طنجة، فقد عاشت بدورها ليلة استثنائية بعدما حاول المحتجون التظاهر في ساحة 20 غشت قبل أن يحاصرها الأمن، لينتقلوا إلى ساحة سور المعكازين ويتوجهوا بعدها إلى ساحة 9 أبريل والهتاف الأبرز في شوارع المدينة كان "الشعب يريد إسقاط الفساد"، لكن سرعان ما واجهتهم القوات الأمنية بمطاردات واعتقالات بالعشرات، قبل أن يتم إطلاق سراح معظمهم لاحقا.
الاحتجاجات لم تقتصر على هذه المدن المركزية فحسب، بل امتدت إلى أكادير وتاونات والفقيه بنصالح وأزمور وغيرها، حيث خرج مواطنون للتعبير عن غضبهم، بينما منعت السلطات بشكل صارم أي شكل من أشكال "التجمهر غير المرخص" وهذه التطورات جاءت بعد ليلة سابقة شهدت موجة أولى من التدخلات الأمنية في مدن مختلفة، واعتقالات طالت عشرات المتظاهرين، ما عمق الشعور بأن السلطات عازمة على مواجهة الحراك الشبابي بالقوة بدل الإصغاء إلى مطالبه.
التداعيات السياسية لم تتأخر، إذ أعلن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي عن تعليق مشاركته في المشاورات الانتخابية الجارية مع وزارة الداخلية، في خطوة احتجاجية على ما وصفه بـ"القمع الممنهج والعنف غير المبرر" الذي تعرض له المتظاهرون السلميون.
الحزب ذهب أبعد من ذلك حين اعتبر أن "الشوارع تحولت إلى ساحات مطاردة واعتقال"، مطالبا بإطلاق سراح جميع الموقوفين فورا، ومحملا الحكومة مسؤولية الانفجار الاجتماعي الذي تعيشه البلاد.
وتحول ما حدث في مدن المغرب إلى إشارة قوية على أن جيلا جديدا بدأ يفرض نفسه في معادلة الفعل الاجتماعي والسياسي، فجيل Z كما يسميه ناشطوه، اختار أن يوحد صوته في الشارع بعدما ضاقت به سبل التعبير في المؤسسات الرسمية، ليبعث رسالة واضحة مفادها أن القضايا الكبرى التي تؤرق الشباب اليوم هي الصحة والتعليم والشغل والكرامة، وأن السكوت عنها لم يعد ممكنا.