افتراس حوت أوركا للمدربة جيسيكا… إشاعة أم حقيقة؟"

StepMarocAgency
المؤلف StepMarocAgency
تاريخ النشر
آخر تحديث

 


خلال الأسابيع الأخيرة، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي قصة مثيرة تزعم وفاة مدربة حيتان تُدعى “جيسيكا رادكليف” بعد هجوم حوت قاتل عليها أثناء عرض حي، وسط ذهول الجمهور. وادّعت المنشورات أن الحادثة المروعة تم تصويرها بالفيديو، ما زاد من إثارة القصة وجذب الانتباه إليها.

غير أن الحقيقة الصادمة هي أن “جيسيكا رادكليف” شخصية غير موجودة، ولم يُعثر على أي دليل رسمي أو مصدر موثوق يؤكد وقوع هذا الحادث من الأساس.

تسير القصة على خطى كثير من الأخبار الزائفة التي تنتشر عبر الإنترنت، حيث تبدأ من خلال عناوين جذابة على مواقع ومدونات مجهولة، مرفقة بمقاطع فيديو مشوشة أو قديمة جرى تعديلها لتبدو مرتبطة بالحادثة.

وبعد ذلك، تنتشر عبر حسابات التواصل وقنوات يوتيوب التي تستخدم المؤثرات الصوتية والذكاء الاصطناعي لتوليد صور مزيفة تمنح القصة مظهراً واقعياً، فيتناقلها الجمهور على أنها حدث حقيقي.



لكن عمليات التحقق الصحفي كشفت غياب أي تقارير شرطة أو بيانات من حدائق بحرية أو مؤسسات رسمية تدعم صحة الرواية، ما يؤكد زيفها.

تعتمد القصة على استحضار حوادث واقعية سابقة لهجمات حيتان قاتلة على مدربين، مثل وفاة المدربة دون برانشو عام 2010 التي تناولها الفيلم الوثائقي الشهير بلاك فيش، وحادثة مقتل المدرب أليكسيس مارتينيز في 2009، ووفاة المدربة كيلتي بيرن في 1991.

هذه الوقائع الحقيقية تمنح القصة المزعومة غطاء من المصداقية الزائفة، وتجعلها قابلة للتصديق لدى الجمهور الذي يعرف مخاطر التعامل مع هذه الكائنات البحرية العملاقة.


رغم أن القصة تبدو “خدعة” لجذب الانتباه، إلا أن لها آثاراً سلبية ملموسة، إذ تسيء لفهم المخاطر الحقيقية التي يواجهها مدربو الحيوانات، وتشوه النقاش العام حول حقوق الحيوانات وظروف احتجازها. كما أن استغلال أسماء وأحداث مشابهة يسيء لذكرى ضحايا حقيقيين، ويؤلم عائلاتهم.



إذا كان الهدف هو النقاش حول أخلاقيات احتجاز الحيتان القاتلة، فإن هذا الحوار يجب أن يستند إلى حقائق موثوقة. فهذه الحيوانات، رغم تدريبها، تظل قوية وقادرة على التصرف بعدوانية.


الحوادث السابقة أظهرت أن بيئات الاحتجاز قد تزيد من توترها، وأن إجراءات السلامة، مهما بلغت، لا يمكنها إزالة المخاطر تماماً. بعد وفاة دون برانشو، مثلاً، فرضت السلطات الأمريكية قيوداً تمنع المدربين من السباحة مع الحيتان أثناء العروض، في محاولة لتقليل الحوادث.

وتصدّرت عناوين مثل “الفيديو الكامل للحادث” و”لحظة موت جيسيكا” محركات البحث في عدة دول، لكن مع التحري في صحة الخبر، تبيّن أن القصة مختلقة بالكامل، والمدربة التي بكى لأجلها الملايين عبر العالم ليست موجودة أصلاً، بل تم فبركة الحادث من مقاطع قديمة، أبرزها لحادثة حقيقية تعود إلى عام 2010.

الفيديوهات التي تم الترويج لها على أنها توثّق لحظة مصرع “جيسيكا” تم تركيبها من مقاطع متفرقة، بعضها لحيتان تقفز في الماء، وبعضها الآخر مأخوذ من وثائقيات أو حوادث سابقة، وعلى رأسها حادثة مقتل Dawn Brancheau، المدربة الأمريكية الشهيرة في حديقة SeaWorld بأورلاندو، والتي قضت على يد حوت أوركا يُدعى “Tilikum”.


وما يشير لزيف الرواية أنه لم يكن هناك أي مصدر إعلامي موثوق أو تقرير رسمي يذكر اسم “جيسيكا” أو وقوع حادث جديد في أي حديقة بحرية. ومع ذلك، انتشر الخبر وساهمت الخوارزميات في ترويجه بفعل حجم التفاعل العاطفي معه.

والسر في سرعة الانتشار لا يعود فقط إلى من أطلق القصة، بل إلى طريقة عمل خوارزميات مواقع التواصل، فالمحتوى العاطفي والصادم يتلقى تفاعلاً عاليًا، مما يدفع المنصات إلى عرضه لمزيد من المستخدمين، بغض النظر عن مدى صحته.

في هذه الحالة، ساهمت الصور الحزينة، والموسيقى المؤثرة، والعناوين المبالغ فيها في تضليل المستخدمين، بل ودفع بعضهم إلى البحث والحديث عن “جيسيكا” وكأنها شخصية حقيقية، ومثل هذه القصص يفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول التأثير النفسي للمحتوى المفبرك، خاصة على جمهور صغير السن أو غير المطلعين. كما أنها تُقلل من جدية الحوادث الحقيقية، وتحوّل المآسي إلى أدوات ترفيه رقمي رخيص.


تعليقات

عدد التعليقات : 0