طفل كان يرعى الغنم و كانت جل أمانيه قطعة خبز وشربة ماء وما قد يرد عنه الحر والبرد، لم يكن يعرف شكل الدولار ليرسمه في أحلامه التي ستكبر بعد سنين، عندما سيتحول لأثرى رجال المغرب والعرب بعد أن هاجم ذئب جائع إحدى نعاجه والتهمها، فكان خوف الطفل من والده بعد أن فقد النعجة أكبر من خشيته من الذئب نفسه ، إستعرض الطفل الراعي حينها بعضا من مشاهد الفقر والوجع، فتراءت له صورة أخيه الذي مات جوعا، قبل أن يتخذ قراره بأن لا بد من الهرب !
لم يفكر كثيرا قبل أن يختار وجهته إلى المدينة حيث قد يجد عملا يسد رمقه .
لعنة الذئب الجائع الباحث عن فريسة لاقته في قطار الفرار فانقض عليه مفتش التذاكر كما فعل الذئب بنعجة الراعي الصغير، ليطرده من القطار لأنه لا يملك ثمن التذكرة. وصول الطفل لمدينته المنشودة لم يكن إلا بداية الرحلة نحو المجهول، ليعمل بأقصى الظروف، ويتعرض لكل أنواع الاستغلال، لكن لم تمضي سنين حتى اكتشف من كان راعيا طفلا، أن لعنة الذئب الجائع لم تكن إلا نعمة حولته لأكبر رجل أعمال وثري. في تاريخ المغرب إننا نتكلم هنا عن الملياردير ورجل الأعمال المغربي ميلود الشعبي الذي تجاوزت استثماراته حدود المغرب. لتشمل بلدان إفريقية وعربية.
في عام 1930 ولد ميلود الشعبي لأسرة معدمة كانت تقطن بقرية أمازيغية صغيرة تسمى أقرمود تقع في منطقة شعبة الصويرة جنوب غربي المغرب صرامة الأب وشدته. لعبت الدور الأكبر في تشكيل شخصية ميلود الذي لم يلقى نصيبا من التعليم بسبب فقر أسرته فاكتفى بفترة دراسية قصيرة بمسجد البلدة حيث حفظ القرآن الكريم. وتعلم المبادئ الأولى للقراءة والكتابة، قبل أن يبدأ رعي الغنم في ضواحي مدينة الصويرة، حيث أوشك على الموت جوعا مرات عدة، في سيناريو مشابه لما حدث لشقيقه الذي توفي من شدة الجوع، حتى جاء يوم تسبب فيه ذئب جائع افترس إحدى نعجاته.
ليهرب الراعي الطفل خوفا من أبيه إلى مدينة مراكش القريبة من الصويرة مستقلا القطار، حيث داهمه مراقبو تذاكر فرنسي. وأراد إنزاله من القطار وتسليمه للشرطة لعدم امتلاكه ثمن التذكرة، قبل أن يتقدم رجل من الطفل الباكي الخائف من المفتش ويعطيه ثمن التذكرة ليغير مجرى حياته إلى الأبد. حيث وصل ميلود إلى مراكش، واستقر بها أسبوعين باحثا عن عمل، لينتقل بعدها إلى مدينة القنيطرة، فعمل في البناء بأجر يومي زهيد وكانت أقصى أحلامه على حد قوله في مقابلات صحفية أن يحصل على عمل يقيه الجوع ويبقيه على قيد الحياة. ومع بلوغه سن الرابعة عشر بدأ العمل لدى شركة بناء يملكها فرنسي، لكن العامل البسيط لم يكن يعلم أنه سيصبح مالك الشركة. بعد سنين قلائل.
بدأ ميلود مساره المهني بتأسيس شركة بناء من ثلاثة عمال فقط، بالتوازي مع عمله مع شركة بناء فرنسية. تمكن فيما بعد من شرائها. ومع حلول عام 1964 أدرك ميلود أن الوقت حان لتوسيع نشاطه فأطلق شركة متخصصة بصناعة السيراميك ، نجاح الشركة أغراه بإطلاق شركتين أخريين. بعد 20 عاما حيث اشترى في عام 1985. شركتين فرنسيتين متخصصتين في صناعة وتوزيع تجهيزات الري ومواد البناء، ما شكل طفرة في المسار المهني للمقاول العصامي الذي عاد عام 1992، لينشئ شركة للورق والتغليف، قبل أن يفوز عام 1993 بصفقة شراء الشركة الوطنية للبترو كيماويات في إطار خصخصة مؤسسات الدولة، كما أطلق عام 1994. شركة إلكترونية للمكونات الكهربائية والكابلات والبطاريات، وبعد أربعة أعوام، شهدت المغرب إطلاق الملياردير ميلود سلسلة أسواق السلام التجارية، والتي وصل عددها اليوم إلى 12 سوقا تجاريا، تلاها إنشاء ميلود أولى وحدات سلاسله الفندقية عام 1999 بمدينة الصويرة، ليتبعها بوحدات فندقية أخرى في مراكش وأكادير. بعد ذلك بسنوات تدار بإدارة إسلامية. يمنع فيها الخمور، كما هو حال أسواق السلام.
توسعت استثمارات ميلود الشعبي تكلل عام 2000 بإنشاء مجموعة (يينا ) التي باتت حاضنة لجميع شركاته. أضاف عليها في عام 2010 وحدة ضخمة لصناعة الحديد تحت اسم (يينا ستيل ) لتضم المجموعة 17 علامة تجارية شغلت نحو أزيد من ألف شخص وامتد نشاطها بعد المغرب إلى عدة دول أخرى بينها تونس وليبيا ومصر والإمارات حيث قدرت مجلة فوربس تروة ميلود الشعبي إلى 3 مليار دولار ما حولت الراعي الخائف من الذئب إلى اكبر اثرياء المغرب والعرب .